فصل: تفسير الآية رقم (32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (32):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} التي من جملتها التنبيه على ما ستلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدي إلى سوء الحساب.

.تفسير الآية رقم (33):

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)}
{يامعشر الجن والإنس} هما الثقلان خوطبا باسم جنسيهما لزيادة التقرير ولأن الجن مشهورون بالقدرة على الأفاعيل الشاقة بما ينبئ عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفي بما كلفوه وكأنه لما ذكر سبحانه أنه مجاز للعباد لا محالة عقب عز وجل ذلك ببيان أنهم لا يقدرون على الخلاص من جزائه وعقابه إذا أراده فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس} {إِنِ استطعتم} إن قدرتم، وأصل الاستطاعة طلب طواعية الفعل وتأتيه.
{أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض} أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله تعالى فارين من قضائه سبحانه: {فانفذوا} فاخرجوا منها وخلصوا أنفسكم من عقابه عز وجل، والأمر للتعجيز {لاَ تَنفُذُونَ} لا تقدرون على النفوذ {إِلاَّ بسلطان} أي بقوة وقهر وأنتم عن ذلك عزل وألف ألف منزل، روى أن الملائكة عليهم السلام ينزلون يوم القيامة فيحيطون بجميع الخلائق فإذا رآهم الجن والإنس هربوا فلا يأتون وجهًا إلا وجدوا الملائكة أحاطت به، وقيل: هذا أمر يكون في الدنيا، قال الضحاك: بينما الناس في أسواقهم انفتحت السماء ونزلت الملائكة فتهرب الجن والإنس فتحدق بهم الملائكة وذلك قبيل قيام الساعة، وقيل: المراد إن استطعتم الفرار من الموت ففروا، وقيل: المعنى إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا بما في السموات والأرض فانفذوا لتعلموا لكن {لاَ تَنفُذُونَ} ولا تعلمون إلا ببينة وحجة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم، وروى ما يقاربه عن ابن عباس والأنسب بالمقام لا يخفى.
وقرأ زيد بن علي إن استطعتما رعاية للنوعين وإن كان تحت كل أفراد كثيرة والجمع لرعاية تلك الكثرة وقد جاء كل في الفصيح نحو قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9].

.تفسير الآية رقم (34):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة على العقوبة، وقيل: على الوجه الأخير فيما تقدم أي مما نصب سبحانه من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلا {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} استئناف في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم أي يصب عليكما.

.تفسير الآية رقم (35):

{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)}
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} استئناف في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم أي يصب عليكما {شُوَاظٌ} هو اللهب الخالص كما روى عن ابن عباس، وأنشد عليه أبو حيان قول حسان:
هجوتك فاختضعت لنا بذل ** بقافية تأجج كالشواظ

وقيل: اللهب المختلط بالدخان، وقال مجاهد: اللهب الأحمر المنقطع، وقيل: اللهب الأخضر، وقال الضحاك: الدخان الذي يخرج من اللهب، وقيل: هو النار والدخان جميعًا، وقرأ عيسى. وابن كثير. وشبل {شُوَاظٌ} بكسر الشين {مّن نَّارٍ} متعلق بيرسل أو يمضمر هو صفة لشواظ و{مِنْ} ابتدائية أي كائن من نار والتنوين للتفخيم {وَنُحَاسٌ} هو الدخان الذي لا لهب فيه كما قاله ابن عباس لنافع بن الأزرق وأنشد له قول الأعشى، أو النابغة الجعدي:
تضيء كضوء السراج السليـ ** ـط لم يجعل الله فيه نحاسا

وروي عنه أيضًا، وعن مجاهد أنه الصفر المعروف أي يصب على رؤوسكما صفر مذاب، والراغب فسره باللهب بلا دخان ثم قال: وذلك لشبهه في اللون بالنحاس، وقرأ ابن أبي إسحق. والنخعي. وابن كثير. وأبو عمرو {وَنُحَاسٌ} بالجر على أنه عطف على نار، وقيل: على {شُوَاظٌ} وجر للجوار فلا تغفل.
وقرأ الكلبي. وطلحة. ومجاهد بالجر أيضًا لكنهم كسروا النون وهو لغة فيه، وقرأ ابن جبير ونحس كما تقول يوم نحس، وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة. وابن أبي إسحق أيضًا ونحس مضارعًا، وماضيه حسه أي قتله أي ونقتل بالعذاب، وعن ابن أبي إسحق أيضًا ونحس بالحركات الثلاث في الحاء على التخيير. وحنظلة بن عثمان ونحس بفتح النون وكسر السين، والحسن. وإسمعيل ونحس بضمتين والكسر، وهو جمع نحاس كلحاف ولحف، وقرأ زيد بن علي نرسل بالنون شواظًا بالنصب ونحاسًا كذلك عطفًا على شواظًا {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} فلا تمتنعان وهذا عند الضحاك في الدنيا أيضًا.
أخرج ابن أبي شيبة عنه أنه قال في الآية: تخرج نار من قبل المغرب تحشر الناس حتى إنها لتحشر القدرة والخنازير تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا، وقال في البحر: المراد تعجيز الجن والإنس أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا يقدر على الامتناع مما يرسل عليه.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار من عداد الآلاء.

.تفسير الآية رقم (37):

{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)}
{فَإِذَا انشقت السماء} أي انصدعت يوم القيامة، وحديث امتناع الخرق حديث خرافة، ومثله ما يقوله أهل الهيئة اليوم في السماء على أن الانشقاق فيها على زعمهم أيضًا متصور {فَكَانَتْ وَرْدَةً} أي كالوردة في الحمرة، والمراد بها النور المعروف قاله الزجاج. وقتادة، وقال ابن عباس. وأبو صالح: كانت مثل لون الفرس الورد، والظاهر أن مرادهما كانت حمراء.
وقال الفراء: أريد لون الفرس الورد يكون في الربيع إلى الصفرة، وفي الشتاء إلى الحمرة، وفي اشتداد البرد إلى الحمرة فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل، وروي هذا عن الكلبي أيضًا، وقال أبو الجوزاء: {وَرْدَةً} صفراء والمعول عليه إرادة الحمرة، ونصب {وَرْدَةً} على أنه خبر كان، وفي الكلام تشبيه بليغ، وقرأ عبيد بن عمير {وَرْدَةً} بالرفع على أن كان تامة أي فحصلت سماء وردة فيكون من باب التجريد لأنه عنى كانت منها، أو فيها سماء وردة مع أن المقصود أنها نفسها كذلك فهو كقول قتادة بن مسلمة:
فلئن بقيت لأرحلن بغزوة ** نحو المغانم أو يموت كريم

حيث عني بالكريم نفسه، وقوله تعالى: {كالدهان} خبر ثان لكانت أو نعت لوردة أو حال من اسم كانت على رأي من أجازه أي كدهن الزيت كما قال تعالى: {كالمهل} [الكهف: 29] وهو دردي الزيت، وهو إما جمع دهن كقرط وقراط، أو اسم لما يدهن به كالحزام والادام، وعليه قوله في وصف عينين كثيرتي التذارف:
كأنهما مزادتا متعجل ** فريان لما تدهنا بدهان

وهو الدهن أيضًا إلا أنه أخص لأنه الدهن باعتبار إشرابه الشيء، ووجه الشبه الذوبان وهو في السماء على ما قيل من حرارة جهنم وكذا الحمرة، وقيل: اللمعان، وقال الحسن: أي كالدهان المختلفة لأنه تتلون ألوانا؛ وقال ابن عباس: الدهان الأديم الأحمر؛ ومنه قول الأعشى:
وأجرد من كرام الخيل طرف ** كأن على شواكله دهانا

وهو مفرد، أو جمع، واستدل للثاني بقوله:
تبعن الدهان الحمر كل عشية ** بموسم بدر أو بسوق عكاظ

وإذا شرطية جوابها مقدر أي كان ما كان مما لا تطيقه قوة البيان، أو وجدت أمرًا هائلًا، أو رأيت ما يذهل الناظرين وهو الناصب لإذا، ولهذا كان مفرعًا ومسببًا عما قبله لأن في إرسال الشواظ ما هو سبب لحدوث أمر هائل، أو رؤيته في ذلك الوقت.

.تفسير الآية رقم (38):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن الأخبار بنحو ما ذكر مما يزجر عن الشر فهو لطف أيّ لطف ونعمة أيّ نعمة.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)}
{فَيَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ تنشق السماء حسا ما ذكر {لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} لأنهم يعرفون بسيماهم وهذا في موقف، وما دل على السؤال من نحو قوله تعالى: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] في موقف آخر قاله عكرمة. وقتادة وموقف السؤال على ما قيل: عند الحساب، وترك السؤال عند الخروج من القبور، وقال ابن عباس: حيث ذكر السؤال فهو سؤال توبيخ وتقرير، وحيث نفي استخبار محض عن الذنب، وقيل: المنفي هو السؤال عن الذنب نفسه والمثبت هو السؤال عن الباعث عليه، وأنت تعلم أن في الآيات ما يدل على السؤال عن نفس الذنب.
وحكى الطبرسي عن الرضا رضي الله تعالى عنه أن من اعتقد الحق ثم أذنب ولم يتب عذب في البرزخ ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه، ولعمري إن الرضا لم يقل ذلك، وحمل الآية عليه مما لا يلتفت إليه بعين الرضا كما لا يخفى، وضمير ذنبه للإنس وهو متقدم رتبة لأنه نائب عن الفاعل، وإفراده باعتبار اللفظ، وقيل: لما أن المراد فرد من الإنس كأنه قيل: لا يسأل عن ذنبه إنسي ولا جنى، وقرأ الحسن. وعمرو بن عبيد ولا جأن بالهمزة فرارًا من التفاء الساكنين وإن كان على حدّه.

.تفسير الآية رقم (40):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يقال فيه نحو ما سمعت في سابقه.

.تفسير الآية رقم (41):

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)}
{يُعْرَفُ المجرمون} استئناف يجري مجرى التعليل لانتفاء السؤال، و{كَرِهَ المجرمون} قيل: من وضع الظاهر موضع الضمير للإشارة إلى أن المراد بعض من الإنس وبعض من الجن وهو المجرمون فيكون ذلك كقوله تعالى: {لاَّ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78]، وسيماهم على ما روي عن الحسن سواد الوجوه وزرقة العيون، وقيل: ما يعلوهم من الكآبة والحزن، وجوز أن تكون أمورًا أخر كالعمى. والبكم. والصمم.
وقرأ حماد بن سليمان بسيمائهم.
{فَيُؤْخَذُ بالنواصى} جمع ناصية وهي مقدم الرأس {والاقدام} جمع قدم وهي قدم الرجل المعروفة والباء للآلة مثلها في أخذت بخطام الدابة، والجار والمجرور نائب الفاعل، وقال أبو حيان: إن الباء للتعدية والفعل مضمن معنى ما يعدي بها أي فيسحب بالنواصي إلخ، وفيه بحث. وظاهر كلام غير واحد أن أل عوض عن المضاف إليه الضمير أي بنواصيهم وأقدامهم، ونص عليه أبو حيان فقال: أل فيهما عوض عن الضمير على مذهب الكوفيين، والضمير محذوف على مذهب البصريين أي بالنواصي والأقدام منهم، وأنت تعلم أن الخلاف بين أهل البلدين فيما إذا احتيج إلى الضمير للربط ولا احتياج إليه هنا، نعم المعنى على الضمير وكيفية هذا الأخذ على ما روي عن الضحاك أن يجمع الملك بين ناصية أحدهم وقدميه في سلسلة من وراء ظهره ثم بكسر ظهره ويلقيه في النار، وقيل: تأخذ الملائكة عليهم السلام بعضهم سحبًا بالناصية وبعضهم سحبًا بالقدم، وقيل: تسحبهم الملائكة عليهم السلام تارة بأخذ النواصي وتارة بأخذ الأقدام، قالوا عنى أو التي للتقسيم وهو خلاف الظاهر، وإبهام الفاعل لأنه كالمتعين، وقيل: للرمز إلى عظمته فقد أخرج ابن مردويه. والضياء المقدسي في صفة النار عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لقد خلقت ملائكة جهنم قبل أن تخلق جهنم بألف عام فهم كل يوم يزدادون قوة إلى قوتهم حتى يقبضوا على من قبضوا بالنواصي والإقدام».